الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة الزنبق وما أشبه ذلك يباع بعضه ببعض إلى أجل متفاضلا: قال محمد بن رشد: هذه أدهان يقرب بعضها من بعض في المنفعة، فحكم لها بحكم الصنف الواحد وإن اختلفت أسماؤها، وذلك صحيح على أصل مذهبه في مراعاة اختلاف المنافع دون الاعتبار بالأسماء، وبالله التوفيق. .مسألة كان له على رجل قمح من سلف فقضاه نصفه شعيرا ونصفه دقيقا: وسئل عن رجل كان له على رجل قمح من سلف فقضاه نصفه شعيرا ونصفه دقيقا، قال: إن كان الدقيق أوضع ثمنا عند الناس من القمح، فلا بأس به؛ وإن كان الدقيق أرفع ثمنا عند الناس من القمح، فلا خير فيه؛ لأنه حينئذ يكون قمحا بشعير وزيادة دقيق؛ وإن كان أخذ منه الدقيق على أن يأخذ منه الشعير، فلا خير فيه؛ وقال: لا خير في أن تتقاضى ممن لك عليه قمح بنصف ذلك القمح تمرا، على أن يأخذ نصفه شعيرا أو نصفه سلتا أو نصفه عدسا؛ لأن الربى يدخله لأجل الشعير والسلت؛ لأنه لا يحل القمح بالشعير والسلت إلا مثلا بمثل؛ وكل ما لا يصلح إلا مثلا بمثل، مثل القمح والشعير والسلت؛ فلا ينبغي لك أن تأخذ ممن لك عليه ذلك نصف مالك عليه من صنف لا يصلح إلا مثلا بمثل، ونصفا من غير ذلك مما يجوز واحدا باثنين إذا كان تقاضيك ذلك معا، إلا أن يفترق تقاضيك ذلك، مثل أن تأتيه اليوم فتسأله قمحك ولك عليه ويبتان من قمح؛ فيقول: هل لك أن تأخذ مني ويبة تمر بويبة قمح؟ فتفعل ذلك ثم تتقاضاه بعد ذلك فيوفيك الويبة الباقية شعيرا، فلا بأس بهذا إذا صح ذلك. قال محمد بن رشد: أجاز في أول المسألة أن تأخذ من القمح السلف نصفه دقيقا ونصفه شعيرا إذا كان الدقيق أوضع ثمنا عند الناس من القمح، ثم قال: إنه إن كان أخذ منه الدقيق على أن يأخذ منه الشعير فلا خير فيه؛ وذلك تناقض من قوله؛ لأن الدقيق إذا كان أوضع ثمنا عند الناس وأخذه مع الشعير في صفقة واحدة عن القمح، فإما أن يقال إن ذلك جائز؛ لأنهما جميعا أدنى من القمح- وإن كان إنما رضي أن يأخذ أحدهما لحاجته إلى الآخر، وإما أن يقال إن ذلك لا يجوز بحال؛ لأن الدقيق والشعير وإن كان كل واحد منهما أدنى من القمح، فقد يقل الشعير ويتعذر الطحين، فيكون كل واحد منهما أكثر ثمنا من القمح، فيتهمان على أنه إنما رضي أن يأخذهما وإن كانا جميعا أقل قيمة من القمح، لما رجاه من نفاق أحدهما وزيادة قيمته على القمح؛ وقد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم أوصى، فلا معنى لإعادته. .مسألة سلف ثوبا ودينارا في ثوب مثله إلى أجل: وسئل ابن القاسم عن رجل سلف ثوبا ودينارا في ثوب مثله إلى أجل، فقال: إذا تأخر أحد الثوبين فلا خير فيه، تأخر الدينار أو انتقد. قال محمد بن رشد: لم يجز أن يسلم الرجل الدينار وثوبا في ثوب مثله إلى أجل؛ لأنهما لما فعلا ذلك ابتداء، علم أنه إنما قصدا إلى أن يحرز الثوب. في ضمانه بدينار يدفعه إليه ثمنا لضمان الثوب، وذلك مما لا يحل ولا يجوز؛ ولو باع رجل من رجل دابة بثوب موصوف إلى أجل، ثم اشتراها منه بثوب مثله نقدا ودينارا نقدا لجاز ذلك؛ إذ لا يتهم أحد أن يدفع دينارا وثوبا في ثوب مثله إلى أجل، وإن كان لا يجوز أن يسلم الرجل إلى الرجل ثوبا ودينارا في ثوب مثله إلى أجل، للعلة التي ذكرناها فقف على ذلك ودبره، والله تعالى ولي التوفيق. .مسألة الصغير بالكبير إلى أجل من صنفه من البهائم كلها: قال ابن القاسم: لا خير في صغير بكبير إلى أجل من صنفه من البهائم كلها، ولا كبير بصغير؛ لأنك لا تجد أحدا يعطي كبيرا بصغير من صنفه إلى أجل إلا للضمان، ولا صغيرا بكبير من صنفه إلى أجل إلا للزيادة في السلف؛ ولا بأس به على وجه البيع أن يكون صغيران بكبير أو كبير بصغيرين، أو كبيران بصغير، فلا بأس به؛ لأنهم قد خرجوا من تهمة الضمان والزيادة في السلف وصار بيعا من البيوع. قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في هذه الرواية أن يسلم صغير في كبير، ولا كبير في صغير من جنس واحد من البهائم؛ وأجاز أن يسلم كبير في صغيرين، وسكت عن سلم صغير في كبيرين، وأراد به أن ذلك جائز، فهو منصوص من قوله بعد هذا في رسم باع شاة، ومثله في كتاب محمد؛ فعلى هذا إنما منع من سلم واحد في واحد، وأجاز ما سوى ذلك؛ ولمحمد بن المواز في مواضع أخر من كتابه أنه لا يجوز سلم صغير في كبيرين، ويجوز سلم كبير في صغيرين، فعلى هذا منع من سلم واحد في واحد كيفما كان قدم الصغير أو أخره، ومن سلم صغير في كبيرين، وأجاز ما سوى ذلك؛ وقال ابن لبابة تأويلا على ما روى أصبغ عن ابن القاسم من أنه لا يجوز سلم صغير في كبير، أنه لا يجوز سلم الواحد في الواحد، ولا الجماعة في الواحد، ولا الواحد في الجماعة كيفما كان، ويجوز ما سوى ذلك؛ وهذه الثلاثة الأقوال لا يحمل القياس شيئا منها؛ لأنه إذا جاز أن يسلم منها العدد في العدد، جاز أن يسلم منها الواحد في الواحد؛ لأن المكروه لو دخل في الواحد بالواحد لكان أكثر دخولا في العدد بالعدد؛ وما في رسم باع شاة من إجازته صغيرا من بني آدم في المهد بكبير تاجر، فصحيح معارض لها، فهو أصح، وعليه ينبغي أن يحمل ما في المدونة؛ لأنه أجاز فيها أن يسلم كبار الخيل في صغارها، وكبار الإبل في صغارها، وكبار البقر في صغارها، فجعل الكبار من ذلك كله صنفا، والصغار منه صنفا آخر؛ ولم يفرق في شيء من ذلك بين الواحد بالواحد، والعدد بالعدد؛ والتفرقة بين ذلك لا يحملها القياس على ما ذكرناه أيضا؛ فإنه أجاز فيها أن يسلم ثوبا من غليظ الكتان مثل الريقة وما أشبهه في ثوب قصبي إلى أجل، وثوب فرقبي معجل؛ فهذا إجازة سلم واحد في واحد من الصنفين من جنس واحد، إذ لا فرق بين سلم ثوب من غليظ الكتان في ثوب من رقيقه، وبين سلم صغير في كبير. وقوله فيها إنه لا يجوز أن يسلم الرأس في رأس دونه؛ إلى أجل، ولا الثوب في ثوب دونه، إلى أجل؛ إنما معناه فيما كان من صنفه لا يتفاوت تفاوتا بعيدا يخرج به الثوب، أو الرأس، إلا أن يكون صنفا آخر يجوز فيه التفاضل إلى أجل؛ ولا اختلاف في جواز سلم واحد في واحد من جنسين مثل بغل في فرس؛ وقد ذهب ابن أبي زيد إلى أن تفسير ما في المدونة برواية عيسى هذه، فقال: لا يجوز على مذهبه في المدونة سلم كبير في صغير، ولا صغير في كبير ولا في كبيرين؛ واستدل على ذلك بقوله فيها: لا يسلم ثوب في ثوب دونه، ولا رأس في رأس دونه، وقال في قوله فيها: إنه لا بأس أن يسلم ثوب من غليظ الكتان مثل الريقة وما أشبهه في ثوب قصبي إلى أجل، وثوب فرقبي معجل، أن ذلك شاذ، إنما يأتي على أحد قولي مالك في إجازة جمل في جمل مثله نقدا، وجمل مثله إلى أجل، والمشهور من قوله أن ذلك لا يجوز وهو الصحيح، وبالله التوفيق. .مسألة كبار الحمير في صغار البغال على حال من الأحوال إلى أجل كذلك: قال محمد بن رشد: الظاهر من هذه المسألة أن مالكا لم يجز أن يسلم كبار الحمير في صغار البغال، وأن ابن القاسم كره ذلك اتباعا لمالك، وتأول عليه أنه إنما لم يجز ذلك من أجل أن الحمير تنتج البغال، فأجاز ذلك إلى الأجل القريب الذي لا تهمة فيه الخمسة الأيام وشبهها، وأجاز أن يسلم كبار البغال في صغار الحمير، إذ لا ينتج البغال الحمير؛ وعلى هذا كان الشيوخ يحملون المسألة ويعترضونها، واعتراضهم لها على ما كانوا يحملونها عليه صحيح؛ لأن الكراهة لتسليم كبار الحمير في صغار البغال ضعيفة، وحجة ابن القاسم باتباع مالك عليها غير صحيحة؛ إذ لا يصح للعالم اتباع العالم في قول يرى أنه لا وجه له في الصحة، وتأويله عليه أنه قال ذلك من وجه أن الحمير تنتج البغال بعيد، لبعد المزابنة في ذلك؛ وإذ تأول هذا عليه واتبعه على قوله، فكان يلزمه أن يقول إن ذلك جائز إلى الأجل البعيد الذي لا يمكن أن يكون فيه من الحمير بغال، ولا يقول إن ذلك لا يجوز إلا إلى الخمسة الأيام ونحوها، وفي قوله إلا إلى الخمسة الأيام ونحوها إجازة السلم إلى الخمسة الأيام وهو خلاف المشهور من قوله في أن السلم لا يجوز إلا إلى الأجل الذي ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، العشرة الأيام والخمسة عشر، ونحو ذلك؛ وكيف يصح أن يكون مراد مالك ما تأوله عليه وهو يجيز في المدونة وغيرها سلم كبار الخيل في صغارها، وكبار الإبل في صغارها، فلما كان يجيز كبار الخيل في صغارها، وكبار الإبل في صغارها؛ وكبار الحمير في صغارها على هذا القياس، وإن كانت الخيل تنتج الخيل، والإبل تنتج الإبل، والحمير تنتج الحمير، علم أنه لم يكره كبار الحمير في صغار البغال، من أجل أن الحمير تنتج البغال؛ كما تأول عليه، فلعل معنى قول مالك في هذه الرواية على هذا التأويل، أنه رأى الصغار والكبار من كل جنس من الحيوان صنفا واحدا كالصغار والكبار من بني آدم، ومن الضأن والمعز وهو قول ابن دينار في المدنية؛ فكره على طرد قوله هذا كبار الحمير بصغار البغال؛ لأن البغال والحمير عنده صنف واحد، ولو سئل على هذا القول عن كبار البغال بصغار الحمير، لكرهها أيضا، ولم يفرق بين ذلك كما فعل ابن القاسم؛ والذي أقول به في هذه المسألة، أن معنى قوله: ولا خير في كبار الحمير بصغار البغال على حال، أي لا خير في ذلك واحد بواحد، قدم الصغير في الكبير، أو الكبير في الصغير، كما قال في المسألة التي فوقها؛ وذلك صحيح على أصله في أن البغال والحمير صنف واحد. وقوله بعد ذلك ولا بأس بكبار البغال بصغار الحمير على ما وصفت لك: اثنان بواحد، يدل على هذا التأويل؛ لأنه أراد أنه لا بأس بذلك: اثنان بواحد على ما وصفت لك من أنه يجوز من الصغار بالكبار من جنس واحد: اثنان بواحد، ولا يجوز من ذلك واحد من واحد؛ فقال عيسى لابن القاسم: ولم كرهت كبار الحمير بصغار البغال؟ أي ولم كرهت كبار الحمير بصغار البغال واحد بواحد إلى أجل مع ما بينهما من البعد، لاختلافهما في الصغر والكبر، وفي الأجناس؟ فقال: ما أجد في ذلك إلا الاتباع؛ لأن مالكا قاله، يريد لأن مالكا قال: إن البغال والحمير جنس واحد؛ وقال: إن الجنس الواحد من البهائم لا يجوز الصغير منه بالكبير واحد بواحد إلى أجل، فقال له: فمن أي وجه أخذه؟ أي من أي وجه أخذ أن الحمير والبغال جنس واحد؟ فقال له: من وجه أن الحمير تنتج البغال، فقال له: فلو كان إلي أجل قريب، أي فلو سلم حمارا كبيرا في بغل صغير، وبغلا كبيرا في حمار صغير إلى أجل قريب ليس فيه تهمة، أي ليس يتهم فيه على الضمان أنه أراد أن يضمن له الكبير على أن يأخذ منه الصغير؛ فقال: لو كان إلى أجل قريب الخمسة الأيام ونحوها لم أر به بأسا. فعلى هذا التأويل تستقيم المسألة كلها، ويرتفع الالتباس منها؛ وقد تكلم ابن لبابة عليها في المنتخب فأطال القول فيها وخلطه، ومن جملة ما قال: إن ابن القاسم لم يفهم معنى ما قال مالك؛ لأنه قال قولا دقيقا، فتأول عليه ما لا يصح أن يكون أراده، وساق قوله على معنى ما تأوله عليه فزاد في لفظه ونقص، وقدم وأخر، ليفهم السامع معنى قول مالك الذي ظن أنه أراده فلبس المسألة. قال: والذي ذهب إليه مالك في قوله إنه إذا سلم كبار البغال في صغار الحمير، جاز من ذلك العدد في العدد، والواحد في الواحد، كالخيل في الحمير، إذ لا تخرج الحمير من البغال، كما لا تخرج من الخيل، وإذا سلم كبار الحمير في صغار البغال، جاز في ذلك العدد في العدد، ولم يجز فيه الواحد في الواحد، ككبار الحمير في صغار الحمير، إذ تخرج صغار البغال من الحمير، كما تخرج صغار الحمير من الحمير؛ هذا معنى قوله، وهو تعسف في التأويل، بعيد من اللفظ، غير بين في المعنى. .مسألة العصفر بالثوب المعصفر إلى أجل: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى، وقد مضى القول في المزابنة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق. تم الجزء الأول من كتاب السلم والآجال. .كتاب السلم والآجال الثاني: .الدجاجة بالبيض إذا كان فيها بيض يدا بيد: قال ابن القاسم لا بأس بالدجاجة بالبيض إذا كان فيها بيض يدا بيد، ولا خير فيه إلى أجل، ولا بأس بالدجاجة التي لا بيض فيها بالبيض إلى أجل؛ قلت وإن باضت قبل الأجل؟ قال نعم، وكذلك الشاة اللبون باللبن إذا كان للشاة لبن فلا بأس به يدا بيد، ولا خير فيه إلى أجل؛ قال ابن القاسم ولا بأس بها إلى أجل إذا لم يكن لها لبن، وإن صار لها لبن قبل الأجل فلا بأس به، كانت الشاة نقدا واللبن إلى أجل، أو اللبن نقدا والشاة إلى أجل، لا بأس به إذا لم يكن للشاة لبن، وكذلك قال لي مالك في الشاة غير مرة، وفي سماع أبي زيد لا بأس بالدجاجة البياضة بالبيض إلى أجل. قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة من المزابنة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. .مسألة اللبن بجدي إلى أجل: قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة صحيح جار على أصله؛ لأنه لا يراعي الحياة فيما لا يقتنى إلا مع اللحم؛ لنهي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عن الحيوان باللحم. فلا يجيز شيئا من ذلك باللحم من صنفه بحال؛ لأنه يحكم له معه بحكم الحي، ولا يجيز شيئا من ذلك بحي ما يقتنى ولا بشيء من الطعام إلى أجل، ولا بعضه ببعض، إلا مثلا بمثل على التحري؛ لأنه يحكم له في ذلك بحكم اللحم الحي، وأشهب يراعيها في كل حال، فلا يجيز شيئا من ذلك باللحم من صنفه بحال؛ للنهي الوارد عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في بيع الحيوان باللحم، ويجيز ذلك كله بعضها ببعض، وبالطعام وبحي ما يقتنى مثلا بمثل ومتفاضلا يدا بيد، وإلى أجل، وهو قول ابن نافع؛ قال ابن المواز وذلك بخلاف الشارف والكبير، فكأنه ذهب إلى أن الشارف والكبير في حكم اللحم عند جميعهم. .مسألة الرجل يسلف في مائة إردب قمح فلما حل الأجل تقاضى خمسين: قلت فإن أراد أن يوليه المائة كلها الخمسين التي تتقاضى، والخمسين الباقية. قال لا خير فيه، وهذا حرام بين. قلت لم؟ قال لأنه لو لم يأخذ الخمسين الباقية لم يعطه هذه التي تقاضى. قال محمد بن رشد: لم يجز في كتاب ابن المواز أن يوليه الخمسين الباقية، ووجه ذلك أن ذمته قد تضعف بقبض الخمسين منه، فلا تكون فيه قيمة الخمسين الباقية إلا أقل من نصف ثمن الجميع؛ فإذا ولاه إياها بنصف الثمن، كان قد أخذ فيها أكثر مما يجب له؛ فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى، وهو قول له وجه ولم يراع في الكتاب هذا المعنى، ورأى أن كل جزء منه بجزئه من الثمن، وأن لا فضل لما قبض منه على ما بقي، فأجازه، وأما إذا ولاه جميع ما قبض وما بقي، فلا إشكال في أن ذلك لا يجوز، إذ لا شك أن قيمة المقبوض بعد قبضه أكثر من قيمته قبل قبضه، فإنما رضي أن يأخذ ما لم يقبض على أن يعطيه ما قبض فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى. .مسألة باع طعاما من رجل بثمن نقدا أو إلى أجل ثم استقال أحدهما: قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة، وقد مضى القول عليها في رسم القبلة ما فيه بيان لها؛ ولا اختلاف في شيء منها إلا في موضعين، أحدهما إن كان المبتاع هو المستقيل بزيادة ورق وكان الثمن حالا فإنه أجازه؛ ومعناه على مذهبه إذا كان ذلك أقل من صرف دينار، ويجوز على مذهب أشهب وإن كان أكثر من صرف دينار، والثاني قوله إذا كان البائع هو المستقيل بزيادة طعام من غير صنفه، فإنه أجاز ذلك إذا كانت الزيادة نقدا وإن كان الثمن إلى أجل؛ ولم يجز ذلك ابن حبيب إلا إذا كان الثمن حالا؛ وقد اختلف في هذا الأصل قوله فيمن باع طعاما بثمن إلى أجل، أنه يجوز له أن يشتريه منه قبل أن يغيب عليه وزيادة عليه بمثل الثمن إلى ذلك الأجل مقاصة، وطعام من غير صنفه يزيده إياه معجلا؛ لأنه اشترى منه طعاما قبل أن يغيب وزيادة عليه بالثمن الذي له عليه معجلا يزيده إياه، فجاز وإن كان الثمن إلى أجل؛ لأنه يسقط عنه بالمقاصة فيتباريان، مثل قول ابن القاسم في المسألة التي بعد هذه على أصله في هذه، وهذا الاختلاف جار على اختلافهم في مراعاة الأجل مع انحلال الذمم، فمرة راعاه واعتبره وإن سقط الدين ووقعت البراءة منه، ومرة لم يراعه إذ قد سقط الدين ووقعت البراءة منه، فجوابه في هذه المسألة وفي التي تأتي له بعدها على ترك الاعتبار. .مسألة كان الثمن إلى أجل وقد اكتاله المبتاع ولم يتفرقا: وإن كان بأكثر من الثمن، كان بيعا وسلفا رجع إليه طعامه واشترى منه الزيادة التي أخذ مع طعامه بالزيادة التي زاده على الثمن، وأسلفه الثمن برده إليه إلى الأجل فلا يحل؛ ولا بأس به مقاصة بمثل الثمن وأكثر، كانت الزيادة التي مع الثمن معجلة، أو مؤخرة؛ فليس فيه تهمة إذا كانا لم يتفرقا؛ لأنه إنما اشترى منه طعامه ولم يغب عليه المبتاع وزيادة معه بالثمن الذي كان له عليه أجلا وزيادة يزيدها معجلة أو مؤخرة ما كانت؛ فهو هاهنا إذا لم يتفرقا يجري مجرى العروض، فلا بأس به ما لم تكن الزيادة المؤخرة طعاما؛ وإن كان من غير صنفه فيكون الطعام بالطعام إلى أجل، أو تكون الزيادة التي يزداد مع كيل الطعام مؤخرة إن كانت عرضا فيكون الدين بالدين؛ وإن كان نقدا فلا بأس به، ما لم تكن الزيادة من صنفه؛ ولا خير في أن يشتريه أيضا وزيادة معه من صنفه، ولا من غير صنفه، ولا ما كانت بأدنى من ثمنه ولا بثمنه نقدا؛ وإن كانا لم يتفرقا من قبل أنه كأنه أعطاه دنانير في أكثر منها إلى أجل وزيادة مع ذلك أيضا معجلة وهو بين؛ ولا بأس به مقاصة من الثمن؛ لأنه إنما اشتراه منه وزيادة معه ببعض الثمن الذي كان له عليه وبقي بقيته إلى أجل، فليس في هذا تهمة؛ لأنه لم يغب عليه المبتاع؛ والطعام هاهنا إذا لم يكن يغيب عليه، فإنما هو بمنزلة العروض؛ لأن العروض وإن غاب عليها المبتاع فلا بأس أن يشتريها البائع إذا كان بعينه وعرضا آخر معه مقاصة ببعض الثمن الذي كان له عليه، ويبقى ما بقي إلى أجله، أو بالثمن كله الذي له عليه مقاصة؛ وليس يدخله الزيادة في السلف؛ لأنها سلعته بعينها، فليس فيه تهمة، وهو بيع حادث؛ وإنما يدخله ذلك إذا كان إنما يرد إليه عرضا من صنف عرضه، وعرضا آخر معه؛ فأما سلعته بعينها فليس فيه تهمة، وأما التهمه في الطعام إذا غاب عليه؛ لأنه لا يعرف أنه طعامه بعينه فتدخله الزيادة في السلف وغيره أيضا. قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة وإن كان الثمن إلى أجل، يريد وإن كان الثمن الذي باع به الطعام إلى أجل؛ لأنها معطوفة على المسألة التي قبلها، وهذه مسألة تنتهي في التفريع إلى أربع وخمسين مسألة، وثمان عشرة في الشراء بالنقد، وثمان عشرة في الشراء إلى الأجل مقاصة، وثمان عشرة في الشراء إلى أبعد من الأجل؛ وذلك أنه قد يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قبل أن يغيب عليه بمثل الثمن وبأقل منه، وبأكثر نقدا؛ وقد يشتريه منه وزيادة عليه بمثل الثمن أيضا، وبأقل منه، وبأكثر نقدا وقد يشتريه منه بعضه بمثل الثمن أيضا، وبأقل منه وبأكثر نقدا؛ فهذه تسع مسائل إذا لم يغب المبتاع على الطعام، وتسع آخر إذا غاب عليه، فهو ثمان عشرة مسألة في الشراء نقدا، ومثلها في الشراء إلى أجل مقاصة، ومثلها أيضا في الشراء إلى أبعد من الأجل، فأما الست والثلاثون مسألة المتفرعة في الشراء بالنقد، وإلى الأجل، فمنها خمس عشرة مسألة لا تجوز، وهي أن يشتري منه بأقل من الثمن، نقد الطعام الذي باع منه بعينه قبل أن يغيب عليه، أو بعضه أو كله وزيادة عليه؛ وأن يشتري منه بأقل من الثمن أيضا مثل الطعام الذي باع منه بعد أن غاب عليه أو أقل منه، أو أكثر نقدا أو مقاصة؛ وأن يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه وزيادة عليه بمثل الثمن أو بأكثر منه نقدا، وأن يشتري منه مثل الطعام بعد أن غاب عليه وزيادة عليه بمثل الثمن، أو بأكثر منه نقدا ومقاصة؛ ومسألة يختلف في جوازها وهي أن يشتري منه أقل من الطعام بعد أن غاب عليه بمثل الثمن إلى الأجل؛ لأنه يكون مقاصة فيدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما؛ فكرهه مالك في أحد قوليه، واتهمه في أن يكون دفع طعاما في أقل منه إلى أجل ليحرزه في طعامه إلى ذلك الأجل؛ واستخفه في القول الثاني لما بعدت التهمة عنده في ذلك؛ لأن الناس في الأغلب لا يقصدون إلى أن يدفعوا كثيرا في قليل للضمان؛ وعشرون جائزة وهي الباقية، وأصل ما يعرف به الجائز منها من غير الجائز وهو أن الشراء بأقل من الثمن لا يجوز، وشراء أكثر من الطعام لا يجوز؛ فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرع منهما نقدا ولا مقاصة إن غاب على الطعام، ولا نقدا إن لم يغب على الطعام؛ ويعرف الفساد فيما لا يجوز منها بأن ينظر إلى ما خرج عن يد كل واحد منهما وما يرجع إليه؛ فتجد المكروه قد وقع بينهما، ومتى وجد المكروه قد وقع بين المتبايعين باجتماع الصفقتين أنهما على القصد إليه، والعمل عليه على مذهب مالك في الحكم بالمنع من الذرائع، ومن قال بقوله في ذلك، وأما الثمان عشرة مسألة المتفرعة في الشراء إلى أبعد من الأجل، فمنها ثلاث عشرة مسألة تجوز، ومسألة لا تجوز؛ ومسألة مختلف في جوازها، وهي أن يشتري منه مثل الطعام بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل؛ لأنه يدخله أسلفني وأسلفك فاستخفه ابن القاسم، وكرهه ابن الماجشون؛ ولو لم يغب على الطعام، لجاز باتفاق؛ لأن طعامه رجع إليه بعينه فكان لغوا، وأسلف المبتاع الأول البائع الأول عشرة دراهم عند شهر يأخذها منه عند شهرين، فآل الأمر بينهما إلى قرض صحيح من المبتاع للبائع؛ وأربع جائزة، وأصل ما يعرف به الجائز منها من غير الجائز، هو أن الشراء بأكثر من الثمن لا يجوز، وشراء بعض الطعام لا يجوز؛ فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرع منهما، غاب على الطعام أو لم يغب عليه؛ وما عدا هذين الوجهين يجوز إن لم يغب على الطعام، ولا يجوز إن غاب عليه حاشا المسألة المختلف فيها المتقدمة الذكر، ويعرف الفساد فيما لا يجوز منها بأن ينظر أيضا إلى ما خرج عن يد كل واحد منهما وما يرجع إليه؛ فتجد المكروه قد وقع بينهما، فيتهمان على القصد إليه والاستحلال له، لما أظهراه من البيعتين الصحيحتين في الظاهر؛ هذا إذا كان الطعام الذي يشتريه منه بعد أن غاب عليه من صفة الطعام الذي باع منه؛ فإن كان من غير صفته فله حكم غير هذا؛ وحكم العروض في ذلك حكم الطعام إذا لم يغب عليه، وقد أفردنا لهذه المسألة المتفرعة إلى هذه المسائل جزءا، أنزلنا فيه المسائل كلها مسألة مسألة؛ وذكرنا علل ما لا يجوز منها، ووجه جواز الجائز منها؛ وبسطنا القول في ذلك بسطا شافيا، فمن أحب الوقوف على ذلك طالعه وتأمله، وفيما ذكرناه هاهنا وأصلناه كفاية لمن له فهم.
|